الرئيسية
أحدث الصور
النشرة ليوم 11/09/2006
التجريب والواقع الاجتماعي
منذ أن تأسس مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي عام 1988 ، وهو يمارس تأثيره الفاعل في الحركة المسرحية بمصر ، وسواء اتفق البعض أم اختلفوا حول نوعية هذا التأثير وقيمته ، فإن أحداً لا يختلف حول حجم هذا التأثير وما أحدثه من نقلة نوعية ضخمة في أنماط الإنتاج والتلقي .
ولعل المراجعة النقدية التي تستهدف تحقيق أقصي عائد ممكن من فعاليات المهرجان تقتضي مراجعة الأهداف التي تأسس من أجلها ، ومدي تحقق تلك الأهداف علي مدار الدورات المتتابعة لفعالياته . فقد جاء في اللائحة التأسيسية أن المهرجان تأسس ليساهم مع المهرجانات العربية في إثراء الحركة المسرحية في مصر والأقطار العربية ، وقد اتخذ المهرجان من التجريب سمة له إيماناً من إدارة المهرجان بأن التجريب كان وسيظل سمة لصيقة بالمسرح بوجه خاص وبالفن بوجه عام ، وبأن نزعة التجديد قد صاحبت الفنان المبدع منذ البدايات ، وبأنه من خلال التجريب تتناغم العلاقة بين الفن والحياة في خدمة القضايا المتجددة التي تفرض نفسها من خلال الحركة الاجتماعية الدائبة . وعلي ذلك فإن اللائحة قد أشارت إلي أهمية ارتباط التجريب بحركة الواقع الاجتماعي ، وهو الأمر الذي كان من المفترض أن تحققه المشاركات المصرية بالمهرجان ، إلا أن مراجعة هذه المشاركات تكشف عن جنوح العديد من العروض إلي التجديد في الشكل دون ارتباط بواقع الحركة الاجتماعية ، إلا أن هذا لا ينفي وجود القليل من التجارب التي ارتكز ت في تجديداتها التقنية علي أرضية اجتماعية . وفي محاولة لإثراء فعاليات المهرجان ، وربط حركة التجريب بحركة الواقع الاجتماعي استناداً إلي الأهداف المعلنة باللائحة التأسيسية ، وابتغاء لتأسيس حركة تجريب تكتسب شرعيتها من الظرف الاجتماعي الذي أنشأها ، استناداً إلي ذلك كله ، يمكن الاستفادة من التجارب المسرحية التي ارتكزت علي واقع محلي شديد الخصوصية ، وارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالبيئة التي أنتجتها ، فجاء التجريب في الشكل انعكاساً للواقع الاجتماعي واستجابة له ، بما ينفي عن تلك التجاب تلك الهشاشة الشكلانية التي لصقت بالتجارب الأخري التي حاول أصحابها محاكاة الأشكال الغربية المنطلقة من خلفية اجتماعية مغايرة
. وسنعرض - باختصار شديد - لتجربتين من التجارب الهامة التي لم تلتفت إليها الحركة النقدية بالقدر الكافي ، ولم تحظ بمحاولة الكشف عن أبعادها التجريبية التي لا ينفصل فيها التجريب في الشكل عن الواقع الاجتماعي الذي يشكل حتمية هذا الجديد .
تجربة شبرا بخوم – الفيوم
ترتكز تجربة شبرا بخوم لمؤسسها المخرج أحمد إسماعيل علي مسرحة الواقع الاجتماعي ، في محاولة للتوصل إلي صيغة جمالية مبتكرة ، يرتبط فيها كل عنصر تجريبي بحتمية اجتماعية تفرضها خصوصية البيئة التي أنتجتها ، ومن أهم سمات إنتاج الفرقة أنها تجعل من المتلقي مركزاً رئيسياً للظاهرة المسرحية .
وقد بدأت التجربة في عام 1980 ضمن مشروع للإبداع الجماعي التابع للثقافة الجماهيرية ، فقامت الفرقة باستطلاع مشكلات القرية وجمع الأغاني الشعبية وألعاب الأطفال ، ثم دعوة من لهم مشكلات محددة ليرووا مشكلاتهم ، وقد نتج عن مسرحة كل هذه المادة ثلاثية «سهرة ريفية » التي قدمت علي ثلاثة أجزاء أعوام 82 ، 84 ، 86 . ثم توالت أعمال الفرقة التي مازالت تعمل حتي الآن بعد أن انتقل مكان تقديم العرض من ساحة القرية إلي مسرحها المكشوف المعد علي ثلاث مصاطب اتخذت شكل الحدوة يحيطها الجمهور من ثلاثة جوانب ، ولا يمكن فصل الإطار الجغرافي الذي تقدم فيه الفرقة تجاربها عن المضمون الاجتماعي والتجديدات التقنية التي لا يتسع المجال لحصرها ، إلا انه يمكن القول بأن هذه التجارب قد اعتمدت علي نموذج فريد من تعدد مستويات الفعل المسرحي ، والاستعانة بالارتجال وتقنيات الحكي والتقليد وتوظيف الألعاب والأغاني الشعبية ، بما يجعل هذه التجديدات جديرة بدارسة مدي ارتباطها بالواقع الاجتماعي الذي أنتجها
. تجربة «بني مزار » - المنيا
بدأت تجربة « بني مزار » حينما التفت المؤلف جلال عابدين والمخرج حمدي طلبة إلي الظواهر الشعبية ذات الملمح الدرامي وهي الظواهر المرتبطة في الأساس باحتفالات المولد النبوي واحتفالات رؤية هلال شهر رمضان ، حيث يقدم أصحاب الحرف «الخبازون والترزية ... وغيرهم » بعض المشاهد شبه التمثيلية ، والمرتبطة بحرفهم فوق عربات « الكارو » هذا بالإضافة الي ما يقدمه أصحاب الطرق الصوفية من مظاهر احتفالية ، وقد وجد القائمون علي الفرقة تجسيداً لكل هذه المظاهر في مكان يدعي « المضيفة » ، وفي هذا المكان يأتي أصحاب الطرق الصوفية المختلفة ليمارسوا احتفالاتهم . وقد جاء أول عروض الفرقة بعنوان « باب المزار » عام 1990 ، ليتوقف عند حدود الرصد لتلك الظواهر الاحتفالية ، إلا أن الأعمال التالية للفرقة تخطت ذلك إلي محاولة استلهام الطرق الأدائية الاحتفالية للوصول إلي طرق جديدة في الأداء ، التمثيلي ، ولعل التجريب في عنصر الأداء التمثيلي يمثل أهم عناصر التجديد الذي أتت بها الفرقة .
إن مثل هذه التجارب التي عرضنا لها علي سبيل المثال لا الحصر ، نجد أصداء لها في كثير من قري مصر ، ونري أنها تمثل رافدا حيوياً للتجريب في المسرح المصري ، ويتميز هذا الرافد عن غيره من المحاولات التجريبية الأخري ، بارتكازه علي أرضية اجتماعية تنعكس تجلياتها في عناصر العرض المسرحي ، وفي تأسيس ركائز جديدة للعلاقة بين المتلقي والعرض المسرحي ، بحيث يكتسب التجريب شرعيته وضرورته الحتمية التي يفرضها واقع اجتماعي متعين . ومع البحث عن مثل هذه المحاولات الناضجة فنياً ، يمكن للمهرجان التجريبي أن يوسع من دائرة فعالياته لتشمل العروض التي ينبغي أن تقدم في مواقعها - إذ أثبتت التجربة العملية إجهاض مثل هذه التجارب عند انتزاعها من بيئتها المحلية - ليقدم المهرجان فعاليات موازية خارج القاهرة تساهم في إثراء المهرجان وتفعيل الحركة المسرحية بمصر بوجه عام .
د . أيمن الخشاب
التجريب والواقع الاجتماعي
منذ أن تأسس مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي عام 1988 ، وهو يمارس تأثيره الفاعل في الحركة المسرحية بمصر ، وسواء اتفق البعض أم اختلفوا حول نوعية هذا التأثير وقيمته ، فإن أحداً لا يختلف حول حجم هذا التأثير وما أحدثه من نقلة نوعية ضخمة في أنماط الإنتاج والتلقي .
ولعل المراجعة النقدية التي تستهدف تحقيق أقصي عائد ممكن من فعاليات المهرجان تقتضي مراجعة الأهداف التي تأسس من أجلها ، ومدي تحقق تلك الأهداف علي مدار الدورات المتتابعة لفعالياته . فقد جاء في اللائحة التأسيسية أن المهرجان تأسس ليساهم مع المهرجانات العربية في إثراء الحركة المسرحية في مصر والأقطار العربية ، وقد اتخذ المهرجان من التجريب سمة له إيماناً من إدارة المهرجان بأن التجريب كان وسيظل سمة لصيقة بالمسرح بوجه خاص وبالفن بوجه عام ، وبأن نزعة التجديد قد صاحبت الفنان المبدع منذ البدايات ، وبأنه من خلال التجريب تتناغم العلاقة بين الفن والحياة في خدمة القضايا المتجددة التي تفرض نفسها من خلال الحركة الاجتماعية الدائبة . وعلي ذلك فإن اللائحة قد أشارت إلي أهمية ارتباط التجريب بحركة الواقع الاجتماعي ، وهو الأمر الذي كان من المفترض أن تحققه المشاركات المصرية بالمهرجان ، إلا أن مراجعة هذه المشاركات تكشف عن جنوح العديد من العروض إلي التجديد في الشكل دون ارتباط بواقع الحركة الاجتماعية ، إلا أن هذا لا ينفي وجود القليل من التجارب التي ارتكز ت في تجديداتها التقنية علي أرضية اجتماعية . وفي محاولة لإثراء فعاليات المهرجان ، وربط حركة التجريب بحركة الواقع الاجتماعي استناداً إلي الأهداف المعلنة باللائحة التأسيسية ، وابتغاء لتأسيس حركة تجريب تكتسب شرعيتها من الظرف الاجتماعي الذي أنشأها ، استناداً إلي ذلك كله ، يمكن الاستفادة من التجارب المسرحية التي ارتكزت علي واقع محلي شديد الخصوصية ، وارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالبيئة التي أنتجتها ، فجاء التجريب في الشكل انعكاساً للواقع الاجتماعي واستجابة له ، بما ينفي عن تلك التجاب تلك الهشاشة الشكلانية التي لصقت بالتجارب الأخري التي حاول أصحابها محاكاة الأشكال الغربية المنطلقة من خلفية اجتماعية مغايرة
. وسنعرض - باختصار شديد - لتجربتين من التجارب الهامة التي لم تلتفت إليها الحركة النقدية بالقدر الكافي ، ولم تحظ بمحاولة الكشف عن أبعادها التجريبية التي لا ينفصل فيها التجريب في الشكل عن الواقع الاجتماعي الذي يشكل حتمية هذا الجديد .
تجربة شبرا بخوم – الفيوم
ترتكز تجربة شبرا بخوم لمؤسسها المخرج أحمد إسماعيل علي مسرحة الواقع الاجتماعي ، في محاولة للتوصل إلي صيغة جمالية مبتكرة ، يرتبط فيها كل عنصر تجريبي بحتمية اجتماعية تفرضها خصوصية البيئة التي أنتجتها ، ومن أهم سمات إنتاج الفرقة أنها تجعل من المتلقي مركزاً رئيسياً للظاهرة المسرحية .
وقد بدأت التجربة في عام 1980 ضمن مشروع للإبداع الجماعي التابع للثقافة الجماهيرية ، فقامت الفرقة باستطلاع مشكلات القرية وجمع الأغاني الشعبية وألعاب الأطفال ، ثم دعوة من لهم مشكلات محددة ليرووا مشكلاتهم ، وقد نتج عن مسرحة كل هذه المادة ثلاثية «سهرة ريفية » التي قدمت علي ثلاثة أجزاء أعوام 82 ، 84 ، 86 . ثم توالت أعمال الفرقة التي مازالت تعمل حتي الآن بعد أن انتقل مكان تقديم العرض من ساحة القرية إلي مسرحها المكشوف المعد علي ثلاث مصاطب اتخذت شكل الحدوة يحيطها الجمهور من ثلاثة جوانب ، ولا يمكن فصل الإطار الجغرافي الذي تقدم فيه الفرقة تجاربها عن المضمون الاجتماعي والتجديدات التقنية التي لا يتسع المجال لحصرها ، إلا انه يمكن القول بأن هذه التجارب قد اعتمدت علي نموذج فريد من تعدد مستويات الفعل المسرحي ، والاستعانة بالارتجال وتقنيات الحكي والتقليد وتوظيف الألعاب والأغاني الشعبية ، بما يجعل هذه التجديدات جديرة بدارسة مدي ارتباطها بالواقع الاجتماعي الذي أنتجها
. تجربة «بني مزار » - المنيا
بدأت تجربة « بني مزار » حينما التفت المؤلف جلال عابدين والمخرج حمدي طلبة إلي الظواهر الشعبية ذات الملمح الدرامي وهي الظواهر المرتبطة في الأساس باحتفالات المولد النبوي واحتفالات رؤية هلال شهر رمضان ، حيث يقدم أصحاب الحرف «الخبازون والترزية ... وغيرهم » بعض المشاهد شبه التمثيلية ، والمرتبطة بحرفهم فوق عربات « الكارو » هذا بالإضافة الي ما يقدمه أصحاب الطرق الصوفية من مظاهر احتفالية ، وقد وجد القائمون علي الفرقة تجسيداً لكل هذه المظاهر في مكان يدعي « المضيفة » ، وفي هذا المكان يأتي أصحاب الطرق الصوفية المختلفة ليمارسوا احتفالاتهم . وقد جاء أول عروض الفرقة بعنوان « باب المزار » عام 1990 ، ليتوقف عند حدود الرصد لتلك الظواهر الاحتفالية ، إلا أن الأعمال التالية للفرقة تخطت ذلك إلي محاولة استلهام الطرق الأدائية الاحتفالية للوصول إلي طرق جديدة في الأداء ، التمثيلي ، ولعل التجريب في عنصر الأداء التمثيلي يمثل أهم عناصر التجديد الذي أتت بها الفرقة .
إن مثل هذه التجارب التي عرضنا لها علي سبيل المثال لا الحصر ، نجد أصداء لها في كثير من قري مصر ، ونري أنها تمثل رافدا حيوياً للتجريب في المسرح المصري ، ويتميز هذا الرافد عن غيره من المحاولات التجريبية الأخري ، بارتكازه علي أرضية اجتماعية تنعكس تجلياتها في عناصر العرض المسرحي ، وفي تأسيس ركائز جديدة للعلاقة بين المتلقي والعرض المسرحي ، بحيث يكتسب التجريب شرعيته وضرورته الحتمية التي يفرضها واقع اجتماعي متعين . ومع البحث عن مثل هذه المحاولات الناضجة فنياً ، يمكن للمهرجان التجريبي أن يوسع من دائرة فعالياته لتشمل العروض التي ينبغي أن تقدم في مواقعها - إذ أثبتت التجربة العملية إجهاض مثل هذه التجارب عند انتزاعها من بيئتها المحلية - ليقدم المهرجان فعاليات موازية خارج القاهرة تساهم في إثراء المهرجان وتفعيل الحركة المسرحية بمصر بوجه عام .
د . أيمن الخشاب
